عاجل
الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية  شعب السُوننكي .. قبيلة الذهب في إفريقيا

السوننكي أقدم شعوب إفريقيا التي اهتمت بالذهب
السوننكي أقدم شعوب إفريقيا التي اهتمت بالذهب

نتحدث عن حكاية أحد الشعوب أو القبائل الإفريقية القديمة، والتي نالت شهرة كبيرة عبر مراحل تاريخ تلك القارة السمراء، وهو شعب (أو قبيلة) "السوننكي"، أو "السوننك"، أو "السوننكة" Soninke. وترجع أهمية هذا الشعب، أو القبيلة الإفريقية، إلى أنهم يعتبرون مؤسسي أقدم مملكة إفريقية معروفة في منطقة ما يعرف باسم: إفريقيا جنوب الصحراء، وتحديدًا في بلاد غرب إفريقيا (السودان الغربي). كما أن السوننكي كانوا من أقدم الشعوب الإفريقية التي سيطرت على الذهب، ومناجمه، وتجارته في غرب إفريقيا منذ القدم، ولذلك يُعرف شعب "السوننكي" بأنهم قبيلة الذهب في إفريقيا…



 

السوننكي (الشعب المُؤسس لمملكة غانة القديمة):

يعتبر شعب "السوننكي" (السوننك) من أهم الشعوب التي كانت قد استقرت في ممالك إفريقيا جنوب "الصحراء الكبرى"، وهم أيضًا من أبرز الشعوب التي تركت أثرًا في منطقة غرب إفريقيا، لاسيما وأنه ينسب لهذا الشعب الإفريقي القديم تأسيس أقدم الممالك في غرب إفريقيا، أو بلاد "السودان الغربي"، وهي مملكة غانة القديمة (وتكتب أيضا باسم: "غانة" في المصادر القديمة). ويعتبر شعب "السوننكي" من أكثر الشعوب في غرب إفريقيا (السودان الغربي) الذين يرتبطون بالذهب، وتجارته، كما أن هذا الشعب يرتبط بالموروث الشعبي والميثولوجي الذي يتعلق بهذا المعدن النفيس لاسيما في مناطق الغرب الإفريقي، أو بلاد "السودان الغربي". ويمكن- على أية حال- أن نُطلق على شعب "السوننكي" بأنه "شعب الذهب"، أو "قبيلة الذهب" في غرب إفريقيا منذ أقدم العصور، حيث كان "السوننكي" من أقدم شعوب إفريقيا التي اهتمت بالذهب، وتجارته، وكذلك البحث عنه في مناجم الغرب الإفريقي. 

ومن المعلوم أنه اختلطت دماءُ سُكان مملكة غانة المهاجرين من ذوي البشرة البيضاء من جانب، وشعب "السوننكى" الإفريقي الأصل من جانب آخر، لاسيما عن طريق روابط الزواج والمُصاهرة، غير أنه لسببٍ أو لآخر هاجرت هذه الجماعاتُ بعد سقوط تلك المملكة القديمة، ثم أقاموا فى "بلاد التكرور" شمال السنغال حالياً، واستقروا تحديداً فى منطقة تعرف باسم "فوتا" (أو فوتا جالون). وعلى هذا فإن المملكة الأقدم في آراضي غانة كان قد أقامها أولئك المهاجرون القادمون من مناطق الشمال الإفريقي، ثم أسقط هذه الأسرة الحاكمة حكام السوننكي، وصار حكام السوننكي أقوى ممن كان يحكم هذه البلاد من قبلهم. 

واسم مملكة (غانة) التي أقامها السوننكي كان لقباً يحمله الملوك في هذه البلاد، ثم صار يُطلق على عاصمة البلاد ذاتها، ثم أُطلق على البلاد كلها بعد ذلـك، وهذا ما تُشيرُ إليه عددُ من المصادر التاريخية. وعلى هذا فمن المؤكد أن الإسلام دخل "مملكة غانة" منذ القرون الهجرية المُبكرة، وهو ما يبدو من خلال روايات المُؤرخين العرب والمسلمين القدامى. وتُعد رواية "أبي عُبيد البَكريّ" الأندلسي (المتوفى سنة:487هـ/1094م) عن "مملكة غانة من أهم ورد في ثنايا المصادر والروايات التاريخية حول تلك المملكة الإفريقية القديمة، حيث يقول "البكري": "ومدينةُ غانة مدينتان سهليتان، أحدهما: المدينة التي يسكنها المسلمون، وهى مدينةٌ كبيرةٌ، وفيها اثنا عشر مسجدًا، أحدها يجتمعون فيه، ولها الأئمة، والمؤذنون، والراتبون، وفيهـا فقهاء..".

 

السوننكي .. وشعب الماندنجو الإفريقي: 

كان شعب "السوننكي" جزء قبليا كبيرا، أو لنقل أنهم كانوا قبيلة كبيرة من ضمن مجموعة القبائل والبطون الإفريقية المسماة شعوب "الماندنجو" (أو شعوب الماندي)، وهي التي كانت تعتبر أكبر وأهم مجموعة قبلية في غرب إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويضم "الماندنجو" العديد من القبائل، أو الفروع القبلية الأخرى، وتحمل كل منها أسماء تميزها عن الفروع الأخرى والتي يطلق عليها قبائل أو شعوب على سبيل المجاز، ولعل من أبرزها: شعب البمبارا، والسوننكي، والديولا، والكاسنكي، وكذلك شعب الجالنكي، والمالنكي، وغيرهم من القبائل الإفريقية الأخرى. وتعتبر شعوب "الماندنجو" (الماندي)- والذي ينتسب لهم شعب السوننكي- من أهم وأكبر الشعوب التي سكنت منطقة غرب إفريقيا (أو السودان الغربي)، وهم ينتشرون ما بين سواحل المحيط الأطلنطي غربا، وحتى منحنى "نهر النيجر" في الشرق، كما تمتد آراضي شعوب "الماندنجو" في المناطق الجنوبية من غرب إفريقيا حتى قرب خط "عرض9" تقريبًا. 

وعن شعب "السوننكي" القديم، يقول البروفيسور "إبراهيم طرخان": "والمُحقق أن أهم القبائل التي تكون أغلب سكان إمبراطورية غانة في العصور الوسطى هي قبائل السوننك، وهي من فروع الماند (أي الماندنجو) الأساسية، أي من مجموعة الشعوب أو القبائل المتكلمة بلغة الماند، وتنفرد مجموعة السوننك عن بقية فروع الماند الأخرى بصفات جثمانية خاصة، وتقاليد اجتماعية معينة.

وقد أقام شعب "السوننكي" في العديد من مناطق "الصحراء الكبرى"، ثم تركز "السوننك" بشكل واضح بعد ذلك في بعض المناطق الأخرى الواقعة عند حافة "الصحراء الكبرى" الجنوبية، فيما يشتهر هناك بتسمية: "بلاد الساحل" بحسب المصطلح الأوروبي. 

ثم امتزج شعب "السوننكي" بجماعات وبطون من شعوب البربر، وكذلك بشعب الفولاني (والفولاتة)، وكان السوننكي يعملون بحرفة التجارة لاسيما تجارة الذهب بالطبع، وقد كانت أهم تجارة ذائعة في مناطق غرب إفريقيا (أو السودان الغربي) خلال العصر الوسيط. كما عملت جماعات من شعب "السوننكي" أيضا بحرفة الزرعة. وقد أسهم اختلاط جماعات "السوننكي" بغيرهم من الشعوب والعناصر الإثنية (العرقية) والديموجرافية الأخرى لاسيما من شعوب وقبائل البربر في حدوث بعض التغيرات الفيزيقية (الطبيعية والبيولوجية) الخاصة بشعب "السوننكي"، وكذا في ألوان بشرتهم. 

 

فُروع وبُطون .. شعب السوننكي:

يضم شعب "السوننكي" عدة بطون، أو فروع قبلية أخرى ذات "أصل سوننكي"، ولعل من بين تلك "الفروع السوننكية" الأخرى ينتسب لها أحد الشعوب التي لايزال الغموض يكتنف تاريخها بشكل واضح، وهم الذين يعرفون باسم "شعب الصوصو" (أو السوسو). وقد لعب هذا الشعب دور مهم في المرحلة التاريخية ما بين سقوط مملكة غانة وازدهار مملكة مالي الإسلامية، وعن هذا الشعب وارتباطه بشعب "السوننكي"، يقول جـ. ت. نياني: "نحن نعرف الآن من خلال دراسة الروايات الشفوية أنه فيما بين سقوط غانة وبروز مالي ظهرت مرحلة هيمنة قبائل الصوصو، (وهم) فرع من السوننكة (السوننكي) الماندانغ متمرد على الإسلام التي نجحت في توحيد المقاطعات التي كانت تحت حكم سلالة الكايا ماجان (ماغان)". 

ويُطلق شعبُ "الولوف" (في السنغال حاليا) على "السوننكي" المقيمين في مناطق حوض نهر السنغال اسم: "سيركول"، أو "سراكول"، وكذلك "الساراكولي"، وهي كلمة محلية تعني: (الرجال الحُمر)، أو (الناس الحُمر)، وهو ما يدل على أنهم لم يكونوا صريحين في كونهم من ذوي الصفات الزنجية الأصلية، أو النقية. وعلى أية حال تضم مجموعة "السوننكي" فروعا إثنية مختلفة، وهي التي اشتهرت بأسماء عديدة، وكان ذلك بحسب المناطق التي استقروا بها جغرافيا، أو تبعا للعشائر والبطون القبلية التي برزت من بينها، أو بحسب تسمية جيران السوننكي لهم. ولعل من ذلك أن قبائل "البمبارا"، وهم من فروع "الماندنجو" القبلية التي اشتهرت بالعقائد الوثنية والأرواحية، يطلقون على مجموعات "السوننكي" المقيمين في منطقة منحنى نهر النيجر اسم: "ماركا"، أو "مار- كنك"، بينما يُعرف "السوننكي" الذي يقيمون في منطقة "ديا" (غرب ماسنة) على نهر النيجر اسم: "ديا– كنك"، وتلك التسمية نسبة لمحل إقامتهم. ويُشير البعضُ إلى أن منطقة "ديا" كانت تعتبر مركز رئيس لتجمع شعب السوننكي، ومنها تفرقت جماعات هذه القبيلة، وفروعها الصغرى المختلفة في شتى المناطق في غرب إفريقيا (السودان الغربي)، بل إن هذه التسمية، أي (ديا– كنك) كانت قد أطلقت على المستعمرات التي استقر فيها "السوننكي" في أعالي نهر غامبيا، وكذلك في "فوتا جالون" في أقصى جنوب غرب إفريقيا. 

وأطلق المغاربة من ناحية أخرى على شعب "السوننكي" اسم: "أسوانك"، وقد اشتهرت هذه التسمية على فرع من هذا الشعب كان يقيم جنوبي نهر النيجر، وينتسب المقيمون منهم في مدينة "طوبي" (طوبا) إليها، ويعتقد أن هذه تسمية عربية إسلامية، ثم انتقلت وذاعت في بلاد غرب إفريقيا، ولذلك فهم (أي جماعات من السوننكي) يعرفون أيضًا باسم: "الطوباكي". بينما في مدينة "جني" (في مالي حاليا)، يشتهر "السوننكي" هناك باسم: "نونو"، وهذا الاسم نسبة لأول عشيرة سوننكية كانت قد هاجرت إلى مدينة "جني"، وهذه المدينة تقع في مالي حاليا. أما فيما يخص المجموعات القليلة التي بقيت في الصحراء الكبرى من "السوننكي"، فقد اشتهروا باسم: جماعات "الأزير".

 

السوننكي .. قبيلة الذهب في غرب إفريقيا:

استعملت جماعات الفولاني (الفولاتة في غرب إفريقيا)، وشعب الهوسا (في نيجيريا)، والصنغاي (في مالي) تسميات أخرى أطلقتها على بطون السوننكي، ومن أهمها: أنجارا، أو ونقارا، أو ونجارا، وكذلك تسمية "وعكري"، ولعل كلها من ذات الأصل اللغوي، ويعتقد أن هذه المجموعة من السوننكي هاجرت فيما بعد إلى بلاد الهوسا، ويقال إنها تدعى بأنها من أصول فارسية. ومصطلح "الونقارة"، أو "الونجارة" كان يطلق أيضا على "الماندنجو"، وقد اشتهرت هذه التسمية أيضا بأن أطلقت على واحدة من أهم مناطق انتاج الذهب في غرب إفريقيا، وهي "مناجم ونقارة" في غرب إفريقيا. وتلك التسمية ربما تشير إلى أحد أهم فروع "السوننكي" أو "الماندنجو" التي اشتهرت بالذهب، واستخراجه، وتجارته في غرب إفريقيا. ومن المعلوم أن السوننكي كان من أشهر الشعوب الإفريقية القديمة التي اشتهرت بتجارة الذهب، واحتكرت تلك التجارة لمدة طويلة، ومن ثم فلم يكن من المستغرب أن يطلق على السوننكي اسم "شعب الذهب"، أو "قبيلة الذهب" في غرب إفريقيا. 

ومن الراجح أن قبيلة "الأشانتي" المعروفة في آراضي غانا كانت قد أخذت هذه اللقب فيما بعد حيث اشتهرت هذه القبيلة الغانية بـ"تجارة الذهب"، وأن آراضيها كانت تعتبر "أرض الذهب"، وهو الاسم الذي اشتهرت بها أرض غانا منذ القدم بفضل شعب السوننكي. وقد وظل ارتباط آراضي غانا بالذهب حتى الحقبة الاستعمارية حيث أطلق عليها "ساحل الذهب"، مثلما أطلق على الكوت دي فور اسم "ساحل العاج". وعن أهمية شعب "السوننكي"، ودورهم الحضاري المهم تاريخيا في غرب إفريقيا، يقول أحد الباحثين الغربيين المعروفين: "إن تاريخ السوننكي، وامتداداتهم المدهشة في دماء الأسكيا (وهو اسم سلاطين مشهورين في غرب إفريقيا)، وآثارهم في جاو (في مالي)، وتمبكتو (في مالي)، واستمرار نفوذهم التجاري، وتجارة الذهب الذي تشير الروايات إلى احتكارهم لها لمدة تمتد من القرن السابع إلى القرن السادس عشر، هذه الامتدادات والاختراقات الممتدة من مملكة غانا، أو واجادو إلى مملكة مالي المالينكية، ثم البمبارا، وصنغاي (صنغي، أو سنغي)، إنما تقطع بأنه لايمكن مناقشة انفصال اللغة السوننكية عن عائلات لغوية ممتدة على فضاء غرب إفريقيا كله لفترة طويلة من الزمن..". 

 

شعب السوننكي .. وتقاليد كثرة الإنجاب:

كان الكثيرون من السكان الأفارقة المحليين- ومنهم السوننكي- يُقبلون على إنجاب الأطفال بنهمٍ بحسب الموروث الشفاهي الشعبي السوننكي، وربما الداعي وراء ذلك النهم بسبب بساطة الحياة في مثل هذه البلاد ذات الطبيعة البدائية، وأن فكرة كثرة الذرية والأطفال ليست فكرةً مُعقدة على غرار أيامنا. ولعل من الأدلة والبراهين على الميل لإنجاب مزيدٍ من الأطفال في الموروث القديم لدى السوننكي، حيث تتحدث إحدى "الروايات الشفاهية" (السوننكية) Vocal Traditions  عن إمرأة لأحد أجداد "السوننكي" القُدامى، واسمه: "دينجا" Denga، وكان جد السوننكي هذا رجلاً كثير الإنجاب. وكانت لدينجا امرأة كثيرة الإنجاب فيما يبدو أكثر من غيرها من زوجاته، وتذكر رواياتُ السوننكي أنها أنجبت لزوجها عشرةً من الأطفال. كما تذكر ذات "الرواية السوننكية" في موضعٍ آخر أنه كان لـ"دينجا" (جد السوننكي) زوجةٌ أُخرى تُدعى "آسا"، وكانت تسكن في منطقة "ديارا"، وقد أنجبت له ثلاثة من التوائم. 

أستاذ التاريخ بالجامعة الإسلامية بولاية منيسوتا   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز